الأحد، يناير 23، 2011

الدستور السعودي 1-2

ينظر المجتمع الدولي إلى الدول من خلال دساتيرها، فالدستور أهم وثيقة في الدولة لأنه يضع حجر الأساس لسلطات الدولة ويبين شكلها واختصاص كل سلطة، والتجربة في المملكة العربية السعودية لا تختلف عن الدول الأخرى من حيث وجود تسلسل نظامي للأنظمة في النظام السعودي.

وثار الجدل حول النظام الأساسي للحكم باعتباره النظام الأول وحجر الأساس لدينا، فالبعض يشكك في وجوده كدستور للمملكة العربية السعودية، وآخرون يشركون معه بعض الأنظمة لما لها من أهمية في تنظيم الحكم مثل نظام هيئة البيعة أو نظام مجلس الوزراء.

ولحسم المسألة والخلاف بين أحقية النظام الأساسي كدستور يجب أن نرجع لعلم القانون الدستوري وهو وحده من يبين لنا ما هو الدستور؟ وما هي خصائصه؟ وما الذي يميزه عن غيره من الأنظمة في المملكة؟ وعلم القانون الدستوري يعتبر المعيار الوحيد لتمييز الدستور عن غيره.

وعلى أثر ذلك رغبت في تقديم دراسة مختصرة وموجزة بعد طرح هذه التساؤلات على علم القانون الدستوري ومبادئه وفقهاؤه.

ما هو الدستور ؟

إن مدلول القانون الدستوري منذ ظهوره مر بمراحل عديدة وعلى أثر هذه المراحل تأثرت مفاهيمه بتأثر الفقهاء بالظروف المحيطة أو بالمبادئ التي يعتنقونها، كالمدلول التاريخي الذي يشترط تنظيم القواعد الدستورية في نظام حر، أو المدلول الشكلي الذي يقتصر على القواعد المكتوبة في الوثيقة الدستورية.

ويكاد يجمع الفقه الدستوري بأن المدلول الموضوعي للقانون الدستوري هو الراجح، والمدلول الموضوعي يسلط الضوء على موضوعات بعينها يجب أن تكون في إطار الوثيقة الدستورية.

وإذا استقر المفهوم الموضوعي للقانون الدستوري بمواضيعه، فالخلاف ينصب على أهمية موضوع دون آخر، فبعض المواضيع تعتبر ذات أهمية دستورية وتنظم بقانون عادي ( وهو ما يسمى النظام في السعودية ) كالانتخاب على سبيل المثال. فالفقه يختلف في ترتيب المواضيع بل يختلف في ترتيب الأسس الرئيسية، ولكن على الأغلب في هذا العصر أن المفهوم الدستوري الصحيح يجب أن يشمل

أولا : شكل الدولة وآلية انتقال الحكم فيها كالنظام الجمهوري أو الملكي، ثانيا : السلطات في الدولة : والتي تتكون من ثلاث سلطات ( القضائية – التشريعية – التنفيذية ) ويبين حدود كل منها. ثالثا : الحقوق والحريات العامة للأفراد : لأننا نعتبر أن الدستور أهم وثيقة فيجب وضع أهم المبادئ الأساسية لحرية الأفراد والمبادئ الرئيسية كحق التقاضي والعمل والتنقل وغيرها من الحقوق الأساسية للفرد.

الدستور في المملكة العربية السعودية

إذا علمنا بأن الدستور ينظم أهم المواضيع في الدولة والتي حصرناها بشكل الدولة والسلطات العامة والحقوق والحريات العامة للأفراد، وبعد عرض هذه المواضيع الثلاثة على الأنظمة في السعودية، فالنظام الأساسي للحكم ينفرد بذكرها ابتداء كما سنرى.

فالدستور لا ينظم جميع المسائل فهو يكتفي بوضع الخطوط العريضة ويحيل تنظيمها إلى القوانين، والقوانين بدورها تنظم المحال إليها من الدستور وفقا لضوابط الدستور فهو المعيار لتحديد الخطأ من الصواب فإذا كان خطأ يكون في دائرة ( عدم الدستورية ) ويجب إلغاؤه أو الامتناع عن تطبيقه بحسب الآلية المتبعة في الدستور

ولتوضيح صور أهم المواضيع الدستورية التي نظمها النظام الأساسي للحكم نذكرها بشكل مختصر:-

شكل الدولة : تم تنظيم شكل الدولة وآلية انتقال الحكم فيها في المواد 5-6-7-8 من الباب الثاني في النظام الأساسي للحكم، ولم نجد أي نظام آخر يحدد هذا التنظيم مما يعزز انفراد النظام الأساسي للحكم وسموه على جميع الأنظمة في المملكة.

ووجود مثل هذا التنظيم يصبغ الشرعية على تصرفات الحاكم وانتقال الحكم، فالأمر الملكي أو المرسوم الملكي لا يستقيم وينفذ إلا بعد صدوره من الحاكم، وشرعية الحاكم محصورة في النظام الأساسي للحكم.

وما يعزز هذا الرأي أن نظام هيئة البيعة صدر وأصبح نافذا بعد النظام الأساسي للحكم بمدة تقارب الخمسة عشر عاما، وتم تعديل الفقرة (ج) من المادة الخامسة في النظام الأساسي للحكم حتى يتوافق نظام هيئة البيعة مع النظام الأساسي للحكم.

ومرد هذا التعديل هو منع التعارض بين النظام الأساسي للحكم ونظام هيئة البيعة مما يعزز تمسكنا بأن النظام الأساسي للحكم هو الدستور للمملكة.

السلطات العامة في الدولة:أنشأ النظام الأساسي للحكم سلطات الدولة في الباب السادس من النظام الأساسي للحكم

ونصت المادة الرابعة والأربعون بأن سلطات الدولة هي السلطة القضائيةالسلطة التنفيذيةالسلطة التنظيمية

فإذا كان النظام الأساسي للحكم انفرد بتحديد سلطات الدولة وهو من أنشأ السلطات ابتداء، والأنظمة الأخرى نظمت عمل السلطات بعد إحالة تنظيمها من النظام الأساسي للحكم إلى الأنظمة الأخرى، لهذا لا يصح مساواة هذه الأنظمة بالنظام الأساسي للحكم وان كانت تنظم أهم الموضوعات الدستورية ولكن أساس تنظيمها مستمد من النظام الأساسي للحكم، بمعنى لا يجوز لأي نظام خلق سلطة جديدة وتنظيمها

وهذا ما يميز القاعدة الدستورية عن القواعد القانونية الأخرى فهي تمتاز بأساسيتها عن سائر القواعد القانونية في الدولة، والميزة الأخرى أنها القاعدة الأصيلة والمرجع للقواعد القانونية الأخرى

الحقوق والحريات العامة للأفراد : جاء في الباب الخامس في مواده ( 23-43) أهم الحقوق والواجبات التي تقع على عاتق الدولة، كحماية العقيدة الإسلامية وتطبيقها، إعمار الحرمين الشريفين، والواجبات التي تقدمها للأفراد كحرمة المسكن وحق العمل.

وتعتبر هذه الحقوق والحريات هي الحد الأدنى التي وضعها النظام الأساسي للحكم، فهو لم ينظمها وانما اكتفى بذكرها وتكريسها، واحال تنظيمها إلى الأنظمة في الدولة، وعلى الأنظمة ان تحافظ على الحقوق الأساسية ولا تخالف ما نص عليه النظام الأساسي للحكم.

ويبقى الشي الوحيد والذي يميز القواعد الدستورية المنظمة للحقوق والحريات أنها عادة تأتي بالغموض وهذا ما يغضب رجال الحريات عادة، ويطالبون بتحديد النص وتوضيحه، ولكن الحقيقة أن غموض النص يعتبر ميزة لا عيب في النص الدستوري المنظم للحقوق والحريات، وذلك لأن الغموض يعني الاتساع دائما والشمول، بمعنى أن النص يستجيب لتطورات المجتمع وحقوقه وتبدل مفاهيمة، أما في حالة التوضيح والتحديد فإنه يعني التحديد والحصر والاكتفاء بها هو مكتوب، وللإضلافة نحتاج إلى التعديل الدستوري الذي قد يكون من الصعب تحقيقة خصوصا إذا كان الدستور جامدا. ومن ثم تأتي عملية تطبيق النص بالشكل الصحيح، فإذا كان العيب في التطبيق يجب تعديل عقلية من يطبق النص فقط.

وإذا كان النظام الأساسي للحكم تجتمع فيه المواضيع الدستورية والتي تميزه عن سائر الأنظمة في الدولة فما هي العقبات التي تمنع أو تشكك في وجوده كدستور للدولة؟

هناك تعليقان (2):

  1. أهنئك على هذا المقال المشبع قانونيآ واحترافيآ ،،، وصدقت في تساؤلك ما المانع من وجوده كدستور ؟؟؟؟؟


    تحياتي :حسين

    ردحذف
  2. مقال جميل ]ا أستاذ حمد بجد أهنئك عليك

    ردحذف