الثلاثاء، نوفمبر 17، 2009

الأدلة العلمية في ميزان الأحكام القضائية

قد لا أكمل نتائج هذا البحث هنا لأمور إجرائية أود أن أكملها في البحث إن كُتب له النشر، ولكن ما أريد أن أبوح به هو بعض العقبات التي وقفت أمامي ومن أهمها الأدلة العلمية طالما أن السحر لا يصنف وفق الحقائق العلمية وهذا الذي حفزني إلى البحث في دور الأدلة العلمية في الأحكام القضائية وبما أننا مجتمع مازال يحافظ على إيمانه بالله فالمادية لا تعني لنا الكثير كما هو الحاصل في بعض الدول، وإن ضربت مثالا في القضاء الأمريكي من موقف المحكمة الأمريكية العليا في هذا الموضوع عندما أصدرت المحكمة الأمريكية العليا قرارا في عام (1993) في دوبيرت ضد شركة Merril Dow pharmaceuticals لوضع الشروط التي تقبلها المحاكم الفيدرالية لقبول الأدلة العلمية والتي قد تؤسس عليها حكمها. ولقد دار جدال في قضية دوبيرت هذه حول تقارير الخبراء التي يقدمونها للمحكمة للاستعانة بها عند إصدار الأحكام، وكان هذا الجدال العلمي والقانوني يدور حول إمكانية أن يؤدي دواء خاص مضاد للقيء إلى حدوث ضعف ميلادي في الطفل إذا ما تعاطت الأم أثناء فترة الحمل هذا العقار باعتبار ذلك من آثاره السلبية.

وقد شكك الدفاع في هذه القضية في صحة الأدلة وطالب بعمل تقويم أو تقدير أو قياس لصدق هذه الأدلة.[1]

وعلى صعيد الأمراض النفسية نجد تساؤل حول ما يعرف بزملة أعراض صدمة الاغتصاب وأثره على الوعي وحرية الاختيار اللذان هما عنصرا المسؤولية الجزائية.

لذلك كنت أرى إلى أن العلم ليس مقدسا ولكنه ظاهرة متغيرة، وتعتمد الأدلة العلمية على النظريات والكشوفات وهي قابلة للتغير والتطوير، فالعلم من خواصه التطور والتقدم، وصحة النتائج العلمية تتوقف على أمور كثيرة ومنها العينة التي أجريت الدراسة عليها، وعلى حجم العينة، وأساليب التحليل، ولكن هذا لا يعني أن الأدلة العلمية تفقد قيمتها تماما بل على العكس هي تتأثر بحسب طبيعتها ودراستها، وعلى سبيل المثال ذهبت محكمة النقض المصرية على أنه " متي كان كتاب مدير عام مصلحة تحقيق الشخصية قد أفصح عن أن بصمات راحة اليد ذات حجية مطلقة في تحقيق الشخصية كبصمات الأصابع تماما لأنها تستند إلى نفس الأسس العلمية التي تقوم عليها بصمات الأصابع فتختلف بصمات راحة اليد باختلاف الأشخاص ولا يمكن أن تتطابق ما لم تكن لشخص واحد فان ما جنح إليه الطاعن من تفرقة بين الدليل المستمد من بصمة الأصبع وذلك المستمد من بصمة راحة اليد أو جزء منها وإطلاق حجية الإثبات في الأولي وحسرها عن الأخري إنما هي تفرقة لا تستند إلى سند علمي أو أساس فني ويكون الحكم المطعون فيه قد أصاب في أخذه بهذه (الحقيقة العلمية) وفي الاستناد إلى ما جاء بتقرير فحص البصمات من أن أثر بصمة راحة اليد المرفوعة من علي الخزانة ينطبق تمام الانطباق علي بصمة راحة اليد اليمني للطاعن لتوافر النقط المميزة بالبصمة المرفوعة ومطابقتها لنظائرها ببصمة راحة اليد اليمني للطاعن ".[2]

لذلك قررت أن الأدلة العلمية لم تحظ بالشعبية القانونية في كافة فروع العلم وعلى هذا الأساس تزيد فرصة دخول السحر كمانع أو مخفف للمسؤولية الجزائية بالشروط التي وضعتها والقياسات التي ستوضح في موضع علمي ولا يكفيها مقال.انتهى



[1] أشار إلى ذلك عبدالرحمن محمد العيسوي،القضاء والبحث العلمي،الطبعة الأولى،2009،منشورات الحلبي الحقوقية،بيروت،ص164.

[2] الطعن رقم 433 لسنة 37 ق جلسة 1967/4/17

الثلاثاء، نوفمبر 10، 2009

أثر السحر على المسؤولية الجزائية

يعيش جزء كبير من العالم على أطلال الفلاسفة ومعتقداتهم وفكرهم المتعمق، ولا ننكر أنهم أصحاب عقول ولكن أيضا لا ننكر أنهم قد يخطئون في مواضع ويصيبون في مواضع أخرى بما أنهم بشر وكلامهم قابل للتمحيص والتدقيق والمناقشة، والعدالة محور وجزء من أفكار الفلاسفة وإن كانوا ليس أول من فكر بها لأن العدالة لا تختص بعقل معين إنما ترتبط بضمير وشعور داخلي لدى الإنسان ولا نعلم أن الفلاسفة هم أول شعوب هذه الأرض حتى يصبحوا أول من طرق باب العدل، فالعدل غير مختص بزمان ولا مكان ولا يسرف من يبحث في موضوعاته لأنه الثابت بمفهومه ومتغير بأشكاله بحسب الزمان والمكان.

والمسؤولية الجزائية جزء من تحقيق العدالة على المجتمع وهي صورة ومرآة لثقافة من قيدها بقيود من شأنها تخفف هذه المسؤولية أو تمنعها، وهي بمفهومها تطورت وأصبحت تتأثر بأقل القليل بعد ما كانت جامدة لا يهزها شيء فعندما كانت تطال الإنسان والحيوان اقتصر تطبيقها على الإنسان، وعندما كانت تطال العاقل والمجنون أصبح المجنون غير مسؤول جزائيا، وأصبحت تتأثر ببعض الأمراض العقلية والنفسية التي من شأنها أن تخفف المسؤولية الجزائية، والسحر من العلوم التي كانت تستخدم ومازالت بأنواعها فمنها السحر ومنها ما سمي سحرا لدخوله في عناصر التعريف اللغوي كالنميمة مثلا، أما أثر السحر فقد يكون واضح للعيان ونلتمس ماديات السحر على الشخص المقرب إلينا ونلاحظ التغيرات في سلوكه وتفكيره إلى أن يتركب جريمة، فما حكم هذا الشخص المسحور إن ثبت أنه مسحور فعلا فهل تقوم أركان المسؤولية في مواجهته أم لا؟

تدق الأمور في مفهوم السحر وأثره وما نواجهه من صعوبات في فهم السحر صعوبات منطقية طالما أنه مرتبط بعالم آخر في الغالب وهو الجن فنحن لا نعلم عن هذا العالم إلا القليل والنتيجة المنطقية أنه في ظل شح المعطيات والمعلومات سوف نلجأ لفرض بعض الفرضيات، وقد أصادف أشخاصا لا يؤمنون بالجن وعلى أثر ذلك لا يعتبرون أن للسحر أثر على المسؤولية الجزائية ولكن سوف أخاطبهم بمنطق الماديات إن أرادوا، أما نحن لا نشكك في وجود الجن والسحر بنص القرآن الكريم والحديث الشريف.

ومن خلال إطلاعي على النصوص القانونية في القانون الأردني لم أجد نصا يجرم هذه الأفعال حتى نبهني أستاذي الأستاذ الدكتور كامل السعيد على أن المادة 471 من قانون العقوبات الأردني تجرم هذه الأفعال، فأنا تعجبت ولم يخطر على بالي أن افتح آخر صفحات هذا القانون لأنها متعلقة بالمخالفات، ولم أتوقع أن المشرع الأردني أراد أن يحدد مكان هذا الفعل ضمن المخالفات، خصوصا أنه قيدها بقصد تعاطي الربح! أما العمل المجاني فهو مباح في ظل هذا النص الذي أضاف القصد الخاص على أركان الجريمة.

ولكن ما يسعفني أنه بمجرد التجريم قد تخطيت جزء كبير في إثبات وجود السحر أو تأثيره على الأشخاص، فالمشرع الأردني بمجرد النص على مناجاة الأرواح أو التنويم المغنطيسي أو التنجيم أو قراءة الكف أو قراءة ورق اللعب وفتح المجال بعبارة " وكل ما له علاقة بعلم الغيب..."فهو يعلم أن من شأن هذه الأفعال أن تؤثر على المتلقي لها أقلها كما سنرى بأن يكون هذا خطر وهمي بشروط معينة وليست على إطلاقها، فالمشرع لا يجرم المستحيل ولكنه يجرم الممكن وبمجرد ذكر الفعل دل على إمكان وجوده وحدوثه بصرف النظر عن حقيقته أو تأثيره لأنها مرحلة لاحقة على إمكانية وجود الفعل، ربما كان يعتقد – المشرع – أن مناجاة الأرواح مجرد وسيلة للاحتيال ولكن هذا لا يهم، لأن الأدلة تثبت على أن بعض الأفعال تستند على علوم ولها أثر، وإذا كنا نتماشى مع منطق الظمأ يدل على وجود الماء، فإن أي فعل له أثر ولا يمكن أن أرى الأثر وأنكر الفعل إلا أننا نقرب السحر كأقرب سبب لهذا الأثر في اعتقادنا، وإذا اتفقنا أن للسحر أثر على الإنسان فلابد أن يكون له أثر على سلوكه وهذا السلوك قد يكون محل تجريم في القانون الجزائي لذلك كان علينا أن نبحث في السحر وأثره على المسؤولية الجزائية.

يتبع...

الثلاثاء، نوفمبر 03، 2009

شماغ للإرهاب


أنا ارتدي ملابسي!! أنا موجود!!


فكرت بهذه العبارة حتى لا (أفصخ) الحياء، لأني أريد أن ارتدي ما يسترني سواء من باب الدين أو من منطلق العادات الاجتماعية فالأهم الحياء!، أما المشكلة أن يضايقني الإرهابي فيما أرتدي! ويتستر بـ(بشماغ بروجيه) أو يلبس ( فنيلة دروش) فهذا ما نستنكره جملة وتفصيلا، وكذلك الحجاب لا يختلف عن الشماغ إن كان من باب العادة كما يقول البعض! فإذا كان الإرهابي اللطيف في كل عملية يشرع في تنفيذها سيرتدي زي معين ونقوم بدورنا بمنع هذا الزي! فهذا مضر بالمجتمع، لأننا مجتمع محافظ و(يلبس ويتغطى)، ولكن لا بأس قد نجد حلول نطرحها إلى مقام الجهة المختصة، أولهما أن ندع المجتمع (سلط ملط) وهنا أظن أننا لن نحتاج لرجل الأمن أو رجال الضابطة العدلية لأن الإرهابي سوف يكون واضح وضوح الشمس من بعييييد، وكل ما عليك هو أن تغطي بعض الأجزاء من جسمك فقط، أما الباقي كما خلقتني ربي وعيش طبعا.. وهذا مفيد لمناخ المملكة فهو حار نسبيا ورطب مما يساعد على ( السلط ملط ) .. وهنا لا ضير على المجتمع في ذلك لأننا متفقين أننا مجتمع يحرم الاختلاط فالمرأة لن ترانا وأنت كذلك أيها الرجل لن تراها لن تراها ( كم يرددها العندليب )... والإرهابي من منطلق إسلامي (كما يتصور طبعا) لن يصبح (سلط ملط ) لأنه يتناقض مع أحكام العورة في الشريعة الإسلامية إلا إذا كان يستخدم مبدأ الغاية تبرر الوسيلة فهنا سوف نلجأ إلى الحل الثاني...



إذا كان الحل المذكور أعلاه يغضب شريحة من المجتمع فلا بأس سوف أطرح موضوع آخر لنحل هذه القضية التي أراها أهم من حل الدولتين، ما فائدة دولة ( سلط ملط ) !، لذلك أدعو الغرفة التجارية إلى اجتماع غير عادي وعاجل لطرح مشروع ( أزياء ) للإرهابيين، وتغطية جميع أعضاء جسم الإرهابي بزي موحد للإرهابيين وماركة مسجلة لهم فقط، لان المصيبة عندما يأتي رجل الضابطة العدلية إلى مسرح الجريمة ويرى مثلا ( فنيلة دروش ) وامصيييبتاااه !!! أو يلتقط ( سروال الأصيل ) استر يا رب ،،،، هل أصبحت كالإرهابي!!! والعياذ بالله، وأرى أن هذا الحل هو الحل الأمثل بما أننا نمتلك هيئة إدعاء عام وتباشر الدعوى العامة نيابة عن المجتمع بكل اجتهاد وجدية ولا تحبس المتهم أكثر من 6 أشهر إلا بعد موافقة الرئيس ( والرئيس دائما موافق)، كما أرى انه مفيد لمناخ المملكة أيضا .. لأننا مناخ اقتصادي فاخر فالتجار سوف يرحبون بهذا الاقتراح وترا التنافس المشروع حول إرساء هذه المناقصة، ولكن السلبية في هذا الحل أن المنظمات الغير حكومية سوف تزعجنا بتهمة دعم الإرهاب وفي حقيقة الأمر أننا نتبع وسائل سهلة ومرنة في اكتشاف الجريمة ولا ندعم الإرهاب، بل على العكس نضمن حقوق الفرد بعدم تعرضه للتحقيق في كل دقيقة، والأمر الآخر أننا سوف نرد على من لصق النقاب في دعم الإرهاب فنحن لا ننتظر فتوى تحرم علينا هذا الشماغ مثلا أو الشركة الفلانية بسبب أن الإرهابي يستخدمها في تنفيذ العملية الإرهابية، والجواب بسيط طالما أن الإرهابي يعيش في هذا المجتمع سوف يرتدي رداء المجتمع، فلماذا لا نمنع البدلات الرسمية لانه تحت ظلها تتم عملية النصب والاحتيال، وكذلك بعض أنواع الساعات الفاخرة التي يستخدمها النصاب، ويمكن أن تكون هذه الجريمة أقل ضررا من الإرهاب كم يدعي البعض فأقول لا بأس، لان العلة بسبب التجريم أو التحريم وليس بالضرر الواقع بعد الجريمة، فأنا أناقش منطق الأسباب الارتجالية التي تصدر من غير دراسة، لذلك نلاحظ أن الرأي يتغير بعد فترة بسيطة جدا... عجب !!



همسة بسيطة لكل محب للحرية والإنسانية، والإخوة الأفاضل إلي ( فوء ) والطبقة الكادحة إلى ( تحت ) أصبح اللبس من أهم الموضوعات في الشرق الأوسط وكأننا منطقة مستقره أصلا وكأن كل دولة مستقلة ولا تعاني من سرقات ومذابح في أراضيها، كأن دول الخليج لا تفكر في مشروع إيران وكأن فلسطين أصبحت دولة، والعراق صار دولة مستقرة وغير مباعة إلى قوميات ومذاهب، والبحرين لا تعاني من أكثرية غالبة في فكر معين، والكويت لا تعاني اجتماعيا، كأننا دول عظمى لا ينقصنا إلا هذا النقاش حتى نكتمل... ( وكأني خرجت من الموضوع!!)