الأربعاء، ديسمبر 28، 2016

مرجعية أحكام الشريعة الإسلامية في تنفيذ حكم التحكيم


نص المنظم السعودي في المادة (55/2/ب) من نظام التحكيم الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/34) وتاريخ 24/5/1433هـ على وجوب عدم مخالفة حكم التحكيم المراد تنفيذه لأحكام الشريعة الإسلامية والنظام العام بالمملكة، وقد تبنى المنظم السعودي نظرية تجزئة البطلان إذ يلغى الجزء المخالف لأحكام الشريعة الإسلامية والنظام العام بالمملكة ما أمكن، ويأمر بتنفيذ الجزء غير المخالف.

وتثور الصعوبة العملية في تحديد المرجعية لتحديد أحكام الشريعة الإسلامية، وقد تطرق الفقه الدستوري السعودي لمبدأ مرجعية الشريعة الإسلامية عند تناوله أحكام النظام الأساسي للحكم في المملكة،([1]) إلا أن الإشكالية في التطبيق العملي هي في تحديد الجهة المنوط بها تحديد أحكام الشريعة الإسلامية، فعلى الصعيد الدستوري نجد أن المادة (45) من النظام الأساسي للحكم قد نصت على أن : "مصدر الإفتاء في المملكة العربية السعودية، كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويبين النظام ترتيب هيئة كبار العلماء، وإدارة البحوث العلمية والإفتاء واختصاصاتها". وقد صدر الأمر الملكي الأمر الملكي رقم (أ/137) وتاريخ 8/7/1391 هـ المعني بتنظيم هيئة كبار العلماء. ([2]) كما ورد في لائحة سير عمل الهيئة واللجنة الدائمة المتفرعة عنها آلية عملها ونصابها النظامي للإنعقاد والإفتاء.

ونلحظ أن هيئة كبار العلماء على الرغم من النص عليها صراحةً في النظام الأساسي للحكم إلا أن عملها وفقاً لنظامها ينحصر في إبداء الرأي فيما يحال إليها من ولي الأمر من أجل بحثه وتكوين الرأي المستند إلى الأدلة الشرعية فيه.([3])

وبالرجوع إلى نظام القضاء لعام 1428ه نجد أن المادة (11) أناطت بالمحكمة العليا اختصاص مراقبة سلامة تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية وما يصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض معها، وقد يرى البعض أن المحكمة العليا هي الجهة المخولة بتحديد مرجعية أحكام الشريعة الإسلامية. إلا أن هذا التوجه غير دقيق كون حجية أحكام المحكمة العليا نسبية تقتصر على أطرافها بعكس أحكام المحكمة الإدارية في دعوى الإلغاء الأمر الذي يفقدها مزية العمومية والتجريد في التطبيق.([4])

وبالرجوع إلى المادة (13/2) من نظام القضاء نجد أنها تنص على أنه: "تتولى الهيئة العامة للمحكمة ما يلي: تقرير مبادئ عامة في المسائل المتعلقة بالقضاء، النظر في المسائل التي ينص هذا النظام – أو غيره من الأنظمة – على نظرها من الهيئة". كما ورد في المادة (14) من نظام القضاء ما نصه: "إذا رأت إحدى دوائر المحكمة العليا – شأن قضية تنظرها – العدول عن مبدأ سبق أن أخذت به أو أخذت به دائرة أخرى في المحكمة نفسها في قضايا سابقة، أو رأت إحدى دوائر محكمة الإستئناف العدول عن مبدأ سبق أن أخذت به إحدى دوائر المحكمة العليا في قضايا سابقة، فيرفع الأمر إلى رئيس المحكمة العليا لإحالته إلى الهيئة العامة للمحكمة العليا للفصل فيه". 

وبإمعان النظر في المادة سالفة الذكر تتضح الرؤيا حول الجهة المنوط بها تحديد مرجعية أحكام الشريعة الإسلامية وهي الهيئة العامة للمحكمة العليا من خلال المبادئ العامة التي تقررها. وتتميز المبادئ القضائية عن الأحكام القضائية بتجريدها ودقة ألفاظها وحسن اختيارها، كما تتسم بالإيجاز.([5]) فشأنها شأن القاعدة القانونية من حيث العمومية والتجريد. ومن جهة أخرى فإن المبادئ القضائية في الحقيقة هي صورة من صور الاجتهاد الجماعي، إذ المبدأ القضائي نتاج اجتهاد من المحكمة العليا، وهي التي تتولى صياغته وتعميمه، فما هو إلا إجتهاد جماعي.([6]) ويعرف المبدأ القضائي بأنه: "قرار قضائي ملزم كلي ينطبق على وقائع متعددة، صادر من جهة مختصة في حدود اختصاصها".([7])

وتأسيساً على ما سبق، يتضح أن معيار مخالفة حكم التحكيم لأحكام الشريعة الإسلامية يتحدد وفقاً لمبادئ الهيئة العامة في المحكمة العليا، حيث إن الهيئة العامة أنشئت لأداء دورها في توحيد المبادئ الشرعية والنظامية، فاختصاصها في تقرير المبادئ العامة في المسائل المتعلقة بالقضاء ما هو إلا توحيد الاجتهاد في المسائل الإجتهادية وتوحيد الرأي في المسائل الفقهية الخلافية.([8]) وينطبق هذا الحكم على أحكام التحكيم التي تقدم إلى المحكمة المختصة سواءً أكانت تجارية أم عمالية أم مدنية، بينما تختص الهيئة العامة للمحكمة الإدارية العليا بموجب المادة (10/4) بهذا الدور بشأن المنازعات الإدارية.



[1] راجع موقف الفقه الدستوري السعودي عند، محمد نسيب أرزقي وآخرون، القانون الدستوري السعودي، مكتبة القانون والاقتصاد – الرياض، الطبعة الأولى 2011، ص315 وما بعدها. خالد بن عبد الله الشافي، مبادئ النظام الدستوري في المملكة العربية السعودية، مطبعة سفير – الرياض، الطبعة الأولى 2012م، ص129 وما بعدها. أحمد بن عبد الله بن باز، النظامي السياسي والدستوري للمملكة العربية السعودية، مطابع الحميضي – الرياض، الطبعة الرابعة 2012م، ص166 وما بعدها. محمد بن حسن القحطاني، النظام الدستوري للمملكة العربية السعودية، بدون دار نشر، الطبعة الأولى 2011م، ص57 وما بعدها.
[2] المنشور في جريدة أم القرى العدد  2387 في 13/7/1391هـ.
[3] الفقرة (ثالثاً/أ) من نظام هيئة كبار العلماء.
[4] أنظر المادة (32) من نظام المرافعات أمام ديوان المظالم حيث تنص على أن: "الأحكام الصادرة بالإلغاء حجة على الكافة".
[5] منصور بن محمد بن عبد الرحمن الشبيب، ملخص لرسالة المبادئ القضائية في محاكم المملكة العربية السعودية، رسالة دكتوراه، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1435هـ، ص8.
[6] أحمد بن عبد العزيز الصقيه، مقال بعنوان (مرافعة المبادئ القضائية) – جريدة الحياة، عدد يوم السبت 27 سبتمبر 2014م.
[7] منصور بن محمد بن عبد الرحمن الشبيب، مرجع سابق، ص8.
[8] راجع مزيداً في ذلك عند أحمد صالح مخلوف، الوسيط في شرح التنظيم القضائي الجديد بالمملكة العربية السعودية، معهد الإدارة العامة – مركز البحوث، 2013م، ص 71 وما بعدها.