الأربعاء، سبتمبر 13، 2017

محكمان في النار ومحكم في الجنة


صدر في عام 1433هـ نظام التحكيم السعودي الجديد بالمرسوم الملكي رقم (م/34) وتاريخ 24/5/1433هـ، والذي جاء بأحكام ومبادئ لم تكن مألوفة لدى المشتغلين في حقل  التحكيم قبل صدور النظام الجديد، وفي مقالتي هذه أود تسليط الضوء على طبيعة عمل المحكم وفقاً لهذا النظام ومدى خطورته على المُحكِم نفسه.
 وبدايةً، فإذا كان التحكيم في العصر الراهن قد اكتسى أهمية كبيرة عن ذي قبل، ولاقى رواجًا وأصبح ملاذًا لأطراف النزاع لما فيه من خصائص ومزايا من شأنها تحقيق أهداف وغايات أطراف النزاع في إنهاء الخصومة، فقد ترتب على إثر ذلك انتشار ثقافة التحكيم بين الأشخاص والتي باتت تتزايد يوماً بعد يوم. وعلى وجه الخصوص بتنا  نُلاحظ التوسع المطرد الذي يلقاه التحكيم المؤسسي خاصة بعد إنشاء المركز السعودي للتحكيم التجاري، بالإضافة إلى اهتمام بعض الأشخاص  بتقديم خدمة التحكيم الحُر.
 وتأكيدًا وتعزيزًا لهذا التوجه لم يشترط نظام التحكيم في المحكم ما يشترط في القاضي، إذ أنه أكتفى بكمال الأهلية وحسن السيرة والسلوك، واشترط الكفاءة العلمية سواءً أكانت شرعية أم نظامية في حال كان المحكم رئيساً لهيئة التحكيم.
وإلى جانب ما سبق ذكره، فلا زلنا نلاحظ انتشار دورات التحكيم، واهتمام بعض المراكز بتقديم الدورات ومنح رخص التحكيم، واتجاه كثير من المحامين نحو المحاكم لتقديم أنفسهم للإشتراك في تكوين هيئة التحكيم. وهذا التوجه لاشك في أنه توجه محمود، إلا أنني أود في مقالتي هذه توضيح أمرين في غاية الأهمية. أولهما، إن طبيعة عمل المُحكِم في أداء مهامه أثناء النظر في إجراءات التحكيم لا تختلف عن مهام القاضي، لأن الأخير هو شخص يختص بالفصل في نزاع قائم بين خصمين أو أكثر بحكمٍ ملزمٍ، ولا ريب في أن المحكم يستمد إختصاصه إبتداءً من أطراف النزاع ليتمكن من النظر والحكم في الدعوى التحكيمية، إلا أن طبيعة عمله طبيعة قضائية شأنه في ذلك شأن القضاة في المحاكم، حيث إن ما يصدره من قرارات تكون نهائية ومنهية للخصومة وتكتسب حجية الأمر المقضي به ولا يجوز بموجبها إعادة طرح موضوع النزاع تارة أخرى للفصل فيه.
لذلك، يجب أن نتفق بأن المحكم هو قاضي، ويسري عليه شرعاً ما يسري على القاضي، وإن كان نظام التحكيم لا يشترط في المحكم ما يشترط في القاضي، فإن هذا المسلك من المُنظم السعودي أظنه من باب التخفيف ولا يغير من طبيعة عمل المحكم القضائية ألبتة.
والأمر الثاني، فهو يُعنى بالرجوع إلى واقع التحكيم في المملكة وغيرها من الدول، إذ نجد البعض يظن أنه بمجرد الاشتراك في دورة تدريبية في مجال التحكيم قد أصبح محكماً، وبعضهم يزيد في ذلك بإضافة عبارة "محكم دولي معتمد" مما يوهم القارئ بأنه يمتلك الكفاءة الكافية للنظر في منازعات التحكيم، داخلية كانت أم دولية.
وهذا الفهم يجانب الصواب، لأنه لو أخذنا بهذا التوجه لأكتفى القاضي بدراسة مادة الإجراءات الشرعية ليصبح مؤهلاً للنظر في أي نزاع. ولكن حقيقة التحكيم تكشف لنا أنه ليس نظام إجرائي فقط، فالعلم بالإجراءات لا يعني العلم بوقائع النزاع والنصوص الشرعية والنظامية الموضوعية واجبة التطبيق على النزاع، فهذا علمُ قائم بذاته. ومن ثَمَّ، يجب على المحكم  أن يمتلك الروح القضائية في طريقة فهم الوقائع وتسبيب الأحكام وترجيح الأدلة، وعليه أن يكون كذلك مؤهلاً تأهيلاً كافياً للنظر في موضوع النزاع، سواءً أكان نزاعاً تجارياً أم هندسياً أم في مجال المعاملات المصرفية.

وبالتالي فليس صحيحًا ما قد يظنه البعض أنه يكفي الإحاطة بأحكام نظام التحكيم السعودي لأن يصبح الشخص محكمًا.

ولما كان المحكم قاضيا، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "القُضاة ثَلاثة : قَاضِيان في النار ، وقاضٍ في الجَنَّة ، قَاضٍ عَرَف الحقَّ فَقَضَى به فهُو في الجَنَّة ، وقاضٍ عَلِم الحَقَّ فجَارَ مُتعمِّدًا فذَلِك في النار ، وقَاضٍ قَضَى بغَيْر عِلْم واسْتَحْيا أن يَقول : إنِّي لا أَعلَم فهُو في النَّار".

لذلك أنصح كل من أراد أن يدخل في عالم التحكيم بأن يتقي الله عز وجل وأن يكون عالماً بما يقضي به، وألا يقضي بجهل لأنه لا يجوز له أن يقضي بغير علم وإن أصاب الحق!

وأخيراً، أستعير بعضاً من كلمة الشيخ الشعراوي أمام الرئيس السابق محمد حسني مبارك، فأنا أنصح كل من يجول برأسه أن يكون محكماً، أنصحه بأن لا تطلبه، بل يجب أن تُطلب له، فإن رسول الله قال، من طُلب إلى شئٍ أعين عليه، ومن طَلب شيئاً وُكل إليه.

الأربعاء، مايو 31، 2017

اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم السعودي الجديد


رأس خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله – الجلسة، التي عقدها مجلس الوزراء، بعد ظهر اليوم الاثنين 26 شعبان 1438هـ الموافق 22/5/2017م، في قصر اليمامة بمدينة الرياض وجاء في الفقرة سابعاً : بعد الاطلاع على ما رفعه معالي وزير العدل، وبعد الاطلاع على التوصية المعدة في مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية رقم ( 16 ـ 46 / 38 / د ) وتاريخ 16 / 7 / 1438هـ، قرر مجلس الوزراء الموافقة على اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم الصادر بالمرسوم الملكي رقم ( م / 34 ) وتاريخ 24 / 5 / 1433هـ .

نصوص اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم


الأربعاء، ديسمبر 28، 2016

مرجعية أحكام الشريعة الإسلامية في تنفيذ حكم التحكيم


نص المنظم السعودي في المادة (55/2/ب) من نظام التحكيم الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/34) وتاريخ 24/5/1433هـ على وجوب عدم مخالفة حكم التحكيم المراد تنفيذه لأحكام الشريعة الإسلامية والنظام العام بالمملكة، وقد تبنى المنظم السعودي نظرية تجزئة البطلان إذ يلغى الجزء المخالف لأحكام الشريعة الإسلامية والنظام العام بالمملكة ما أمكن، ويأمر بتنفيذ الجزء غير المخالف.

وتثور الصعوبة العملية في تحديد المرجعية لتحديد أحكام الشريعة الإسلامية، وقد تطرق الفقه الدستوري السعودي لمبدأ مرجعية الشريعة الإسلامية عند تناوله أحكام النظام الأساسي للحكم في المملكة،([1]) إلا أن الإشكالية في التطبيق العملي هي في تحديد الجهة المنوط بها تحديد أحكام الشريعة الإسلامية، فعلى الصعيد الدستوري نجد أن المادة (45) من النظام الأساسي للحكم قد نصت على أن : "مصدر الإفتاء في المملكة العربية السعودية، كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويبين النظام ترتيب هيئة كبار العلماء، وإدارة البحوث العلمية والإفتاء واختصاصاتها". وقد صدر الأمر الملكي الأمر الملكي رقم (أ/137) وتاريخ 8/7/1391 هـ المعني بتنظيم هيئة كبار العلماء. ([2]) كما ورد في لائحة سير عمل الهيئة واللجنة الدائمة المتفرعة عنها آلية عملها ونصابها النظامي للإنعقاد والإفتاء.

ونلحظ أن هيئة كبار العلماء على الرغم من النص عليها صراحةً في النظام الأساسي للحكم إلا أن عملها وفقاً لنظامها ينحصر في إبداء الرأي فيما يحال إليها من ولي الأمر من أجل بحثه وتكوين الرأي المستند إلى الأدلة الشرعية فيه.([3])

وبالرجوع إلى نظام القضاء لعام 1428ه نجد أن المادة (11) أناطت بالمحكمة العليا اختصاص مراقبة سلامة تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية وما يصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض معها، وقد يرى البعض أن المحكمة العليا هي الجهة المخولة بتحديد مرجعية أحكام الشريعة الإسلامية. إلا أن هذا التوجه غير دقيق كون حجية أحكام المحكمة العليا نسبية تقتصر على أطرافها بعكس أحكام المحكمة الإدارية في دعوى الإلغاء الأمر الذي يفقدها مزية العمومية والتجريد في التطبيق.([4])

وبالرجوع إلى المادة (13/2) من نظام القضاء نجد أنها تنص على أنه: "تتولى الهيئة العامة للمحكمة ما يلي: تقرير مبادئ عامة في المسائل المتعلقة بالقضاء، النظر في المسائل التي ينص هذا النظام – أو غيره من الأنظمة – على نظرها من الهيئة". كما ورد في المادة (14) من نظام القضاء ما نصه: "إذا رأت إحدى دوائر المحكمة العليا – شأن قضية تنظرها – العدول عن مبدأ سبق أن أخذت به أو أخذت به دائرة أخرى في المحكمة نفسها في قضايا سابقة، أو رأت إحدى دوائر محكمة الإستئناف العدول عن مبدأ سبق أن أخذت به إحدى دوائر المحكمة العليا في قضايا سابقة، فيرفع الأمر إلى رئيس المحكمة العليا لإحالته إلى الهيئة العامة للمحكمة العليا للفصل فيه". 

وبإمعان النظر في المادة سالفة الذكر تتضح الرؤيا حول الجهة المنوط بها تحديد مرجعية أحكام الشريعة الإسلامية وهي الهيئة العامة للمحكمة العليا من خلال المبادئ العامة التي تقررها. وتتميز المبادئ القضائية عن الأحكام القضائية بتجريدها ودقة ألفاظها وحسن اختيارها، كما تتسم بالإيجاز.([5]) فشأنها شأن القاعدة القانونية من حيث العمومية والتجريد. ومن جهة أخرى فإن المبادئ القضائية في الحقيقة هي صورة من صور الاجتهاد الجماعي، إذ المبدأ القضائي نتاج اجتهاد من المحكمة العليا، وهي التي تتولى صياغته وتعميمه، فما هو إلا إجتهاد جماعي.([6]) ويعرف المبدأ القضائي بأنه: "قرار قضائي ملزم كلي ينطبق على وقائع متعددة، صادر من جهة مختصة في حدود اختصاصها".([7])

وتأسيساً على ما سبق، يتضح أن معيار مخالفة حكم التحكيم لأحكام الشريعة الإسلامية يتحدد وفقاً لمبادئ الهيئة العامة في المحكمة العليا، حيث إن الهيئة العامة أنشئت لأداء دورها في توحيد المبادئ الشرعية والنظامية، فاختصاصها في تقرير المبادئ العامة في المسائل المتعلقة بالقضاء ما هو إلا توحيد الاجتهاد في المسائل الإجتهادية وتوحيد الرأي في المسائل الفقهية الخلافية.([8]) وينطبق هذا الحكم على أحكام التحكيم التي تقدم إلى المحكمة المختصة سواءً أكانت تجارية أم عمالية أم مدنية، بينما تختص الهيئة العامة للمحكمة الإدارية العليا بموجب المادة (10/4) بهذا الدور بشأن المنازعات الإدارية.



[1] راجع موقف الفقه الدستوري السعودي عند، محمد نسيب أرزقي وآخرون، القانون الدستوري السعودي، مكتبة القانون والاقتصاد – الرياض، الطبعة الأولى 2011، ص315 وما بعدها. خالد بن عبد الله الشافي، مبادئ النظام الدستوري في المملكة العربية السعودية، مطبعة سفير – الرياض، الطبعة الأولى 2012م، ص129 وما بعدها. أحمد بن عبد الله بن باز، النظامي السياسي والدستوري للمملكة العربية السعودية، مطابع الحميضي – الرياض، الطبعة الرابعة 2012م، ص166 وما بعدها. محمد بن حسن القحطاني، النظام الدستوري للمملكة العربية السعودية، بدون دار نشر، الطبعة الأولى 2011م، ص57 وما بعدها.
[2] المنشور في جريدة أم القرى العدد  2387 في 13/7/1391هـ.
[3] الفقرة (ثالثاً/أ) من نظام هيئة كبار العلماء.
[4] أنظر المادة (32) من نظام المرافعات أمام ديوان المظالم حيث تنص على أن: "الأحكام الصادرة بالإلغاء حجة على الكافة".
[5] منصور بن محمد بن عبد الرحمن الشبيب، ملخص لرسالة المبادئ القضائية في محاكم المملكة العربية السعودية، رسالة دكتوراه، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1435هـ، ص8.
[6] أحمد بن عبد العزيز الصقيه، مقال بعنوان (مرافعة المبادئ القضائية) – جريدة الحياة، عدد يوم السبت 27 سبتمبر 2014م.
[7] منصور بن محمد بن عبد الرحمن الشبيب، مرجع سابق، ص8.
[8] راجع مزيداً في ذلك عند أحمد صالح مخلوف، الوسيط في شرح التنظيم القضائي الجديد بالمملكة العربية السعودية، معهد الإدارة العامة – مركز البحوث، 2013م، ص 71 وما بعدها.

الاثنين، نوفمبر 28، 2016

رئيس هيئة التحكيم والمحكم المرجح




شاع استخدام مصطلح "المحكم المرجح" عندما تكون هيئة التحكيم مشكلة من أكثر من محكم كأن تكون هيئة ثلاثية أو خماسية، وبالرجوع إلى التطبيق العملي نجد أن أطراف التحكيم يلجؤون إلى المحكمة في حال عدم اتفاقهم على تسمية رئيس هيئة التحكيم، وبإستقراء أحكام محاكم الاستئناف نجدها تستخدم مصطلح المحكم المرجح عند تسمية رئيس هيئة التحكيم، وفي هذا المقال نبحث عن مدى صحة استخدام هذا المصطلح وما هي الحالات النظامية لاستخدامه وفقاً لنظام التحكيم السعودي.

إبتداءً، تتكون هيئة التحكيم الثلاثية تتكون من محكمين ورئيس، وقد تكفل الباب الثالث من نظام التحكيم ببيان أحكام تشكيل هيئة التحكيم، وبالرجوع إلى النصوص الواردة في الباب الثالث  (المواد 13–24) نجد أنها لم تشر إلى المحكم المرجح البتة، وإنما نظمت أحكام هيئة التحكيم من حيث العدد والكفاءة وآلية التشكيل في حال عدم الاتفاق وكذلك إجراءات رد المحكم وغيرها من الإجراءات الشكلية.

وعند قراءة النظام بشكل متكامل نجد أن مصطلح "المحكم المرجح" يظهر في الفقرة (2) من المادة (39) التي تنص على: "إذا تشعبت آراء هيئة التحكيم ولم يكن ممكناً حصول الأغلبية فلهيئة التحكيم اختيار محكم مرجح خلال (15) يوماً من قرارها بعدم إمكان حصول الأغلبية وإلا عينت المحكمة المختصة محكماً مرجحاً".

وبذلك يتضح جلياً أن المحكم المرجح لا يظهر في إجراءات التحكيم إلا في حالة واحدة، وهي حالة تشعب آراء هيئة التحكيم وعدم إمكان حصول الأغلبية، ففي هذه الحالة أجاز النظام لهيئة التحكيم اختيار محكم مرجح، وقد واجه نظام التحكيم السعودي هذه الحالة من خلال وجوب صدور قرار من هيئة التحكيم بعدم إمكان حصول الأغلبية، ومنحها سلطة تعيين المحكم المرجح خلال مدة (15) يوماً من تاريخ هذا القرار. وبمجرد مرور مدة (15) يوماً فإن الأثر النظامي هو أن تنتقل صلاحية تعيين المحكم المرجح من هيئة التحكيم وتصبح بيد المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع. وبمعنى آخر، قد تتم إجراءات التحكيم دون الحاجة إلى الإستعانة بالمحكم المرجح طالما أن هيئة التحكيم قد اتخذت قرارها بالأغلبية أو بالإجماع.


وتأسيساً على ما سبق، فإن مصطلح المحكم المرجح ليس مرادفاً لمصطلح رئيس هيئة التحكيم، فرئيس هيئة التحكيم هو الذي يرأس هيئة التحكيم منذ تشكيلها حتى إنتهاء مهامها، أما المحكم المرجح فهو من ينضم إلى هيئة التحكيم لحل إشكالية عدم الحصول على أغلبية آراء هيئة التحكيم -إن وجدت-.

الأربعاء، نوفمبر 09، 2016

مآل هيئة التحكيم بعد صدور حكم التحكيم





مآل هيئة التحكيم بعد صدور حكم التحكيم
وفقاً لنظام التحكيم السعودي

صدر نظام التحكيم السعودي الجديد في العام 1433هـ، ودخل حيز التنفيذ اعتباراً من يوم الأثنين 19 شعبان 1433هـ. ولغاية الآن طبق النظام لمدة تنيف عن أربعة سنوات، وخلال تطبيق النظام الجديد واجهنا بعض الإشكاليات العملية والتي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بتفسير بعض مواد هذا النظام، ويقتصر حديثنا في هذا المقال على تفسير الفقرة (3) من المادة (41) من نظام التحكيم السعودي التي نصت على:"مع مُراعاة أحكام المواد (التاسعة والأربعين) (والخمسين) (والحاديّة والخمسين) من هذا النظام، تنتهي مهمة هيئة التَحكيم بانتهاء إجراءات التحكيم".

ويُلاحظ على النص سالف الذكر أن تنتهي مهمة هيئة التحكيم بإنتهاء إجراءات التحكيم المحددة في الفقرة (1) من المادة (41). وقد راعى المشرع ما قد يصيب حكم التحكيم من قصور بسبب هيئة التحكيم وقرر إستمرار مهام هيئة التحكيم. وبالرجوع إلى المواد التي يجب مراعاتها نجد أن المنظم يشير إلى المواد (49) و (50) و (51). وبإستقراء نصوص المواد المشار إليها نجد أنها لا تتطرق إلى مهام هيئة التحكيم لا من قريب ولا بعيد وإنما تنظم هذه المواد أحكام وإجراءات بطلان حكم التحكيم.

والتساؤل المُثار: ما هي المهام التي من الممكن أن تقوم بها هيئة التحكيم على الرغم من إنتهاء إجراءات التحكيم؟


وبالإمكان الإجابة على ذلك أنه من المتصور أن تقوم هيئة التحكيم بمهام إضافية أوجبها نظام التحكيم السعودي حتى وإن انتهت إجراءات التحكيم، فقد يشوب حكم التحكيم غموض يتطلب تفسيره، أو خطأ مادي يجب تعديله، أو في حال غفل حكم التحكيم عن طلبات قُدمت خلال إجراءات التحكيم ويتطلب من هيئة التحكيم إصدار حكم تكميلي لها. وقد أوجب نظام التحكيم السعودي على هيئة التحكيم القيام بهذه المهام الإضافية على الرغم من إنتهاء إجراءت التحكيم وإنتهاء مهمة هيئة التحكيم. ونورد المواد النظامية التي ترسخ لهذا المفهوم وتعززه على النحو الآتي:

المادّة السادسّة والأربعون:
1-     يجوز لكل واحدٍ من طرفيّ التَحكيم أن يُطلب من هيئة التَحكيم خلال الثلاثين يومًا التاليّة لتسلُّمه حُكم التَحكيم تفسير ما وقع في مَنطوقه من غموض. ويجب على طالب التفسير إبلاغ الطرف الآخر على عُنوانه المُوضّح في حُكم التَحكيم بهذا الطلب قبل تقديمه لهيئة التحكيم.

2-     يصدر التفسير كتابةً خلال الثلاثين يومًا التاليّة لتاريخ تقديم طلب التفسير لهيئة التحكيم.

3-     يُعَدّ الحُكم الصادر بالتفسير مُتمماً لحُكم التَحكيم الذي يُفسّره وتَسري عليه أحكامه.

المادّة السابعة والأربعون:
1-     تتولى هيئة التَحكيم تصحيح ما يقع في حُكمها من أخطاءٍ ماديّةٍ بَحتةٍ كتابيّةٍ أو حسابيّةٍ، وذلك بقرار تُصدره من تِلقَاء نَفسها، أو بُناءً على طلب أحد الخصوم، وتجري هيئة التَحكيم التصحيح من غير مُرافَعةٍ خلال خمسة عشر يوماً التاليّة لتاريخ صدور الحُكم، أو لإيداع طلب التصحيح بحسب الأحوال.

2-     يصدر قرار التصحيح كتابةً من هيئة التحكيم، ويُبلّغ إلى طرفيّ التَحكيم خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ صدوره، وإذا تجاوزت هيئة التَحكيم سلطتها في التصحيح جاز التمسّك ببُطلان هذا القرار بدعوى بُطلان تَسري عليها أحكام المادّتين (الخمسين)، (والحاديّة والخمسين) من هذا النظام.

المادّة الثامنّة والأربعون:
1- يجوز لكل من طرفيّ التَحكيم ولو بعد انتهاء ميعاد التحكيم، أن يطلب من هيئة التَحكيم خلال الثلاثين يوماً التاليّة لتسلّمه حُكم التحكيم، إصدار حُكم تحكيم إضافيّ في طلبات قُدِّمت خلال الإجراءات وأغفَلَها حُكم التحكيم. ويجب إبلاغ الطرف الآخر على عُنوانه الموضّح في حُكم التَحكيم بهذا الطلب قبل تقديمه لهيئة التحكيم.

2- تصدر هيئة التَحكيم حُكمَها خلال ستين يومًا من تاريخ تقديم الطلب، ويجوز لها مدّ هذا الميعاد ثلاثين يوماً أخرى إذا رأت ضرورة لذلك.

وحيث إن نظام التحكيم السعودي كغيره من قوانين الدول العربية ودول العالم الأخرى قد تأثر بالقانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي الذي أصدرته لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي عام 1985م مع تعديلاته المعتمدة في عام 2006م إلا أن المنظم السعودي أخذ كذلك العديد من أحكامه من قانون التحكيم المصري لعام 1994م، خاصة تلك الأحكام التي انفرد بها أو خالف فيها قانون التحكيم المصري القانون النموذجي الأمر الذي معه يمكن القول إن قانون التحكيم المصري يشكل مع القانون النموذجي مصدراً تاريخياً لنظام التحكيم السعودي.

ونلاحظ أن المنظم السعودي قد نسخ نص المادة (41/3) من نظام التحكيم السعودي من المادة (48/2) من قانون التحكيم المصري التي تنص على: "مع مراعاة أحكام المواد 49 و 50 و 51 من هذا القانون تنتهي مهمة التحكيم بإنتهاء إجراءات التحكيم". وبالرجوع إلى المواد المشار إليها في قانون التحكيم المصري نجد أنها تنظم المهام التي من الممكن أن تقوم بها هيئة التحكيم على الرغم من إنتهاء مهمتها وهي تفسير حكم التحكيم، وتصحيح حكم التحكيم من الأخطاء المادية البحتة، وأخيرا إصدار حكم تحكيم إضافي في طلبات قدمت خلال الإجراءات وأغفلها حكم التحكيم.

وبإستقراء نصوص القانون النموذجي نجد أن الفقرة (3) من المادة (32) تنص على: "تنتهي ولاية هيئة التحكيم بانتهاء إجراءات هيئة التحكيم مع مراعاة أحكام المادة (33) والفقرة (4) من المادة (34)". وتنظم المادة (33) من القانون النموذجي أحكام المهام التي من الممكن أن تقوم بها هيئة التحكيم على الرغم من إنتهاء مهمتها وهي تفسير حكم التحكيم، وتصحيح حكم التحكيم من الأخطاء المادية البحتة، وأخيراً إصدار حكم تحكيم إضافي في طلبات قدمت خلال الإجراءات وأغفلها حكم التحكيم فهي مطابقة لنظامنا ولقانون التحكيم المصري هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فقد أضاف القانون النموذجي حالة أخرى في الفقرة (4) من المادة (34) وهي حالة بطلان حكم التحكيم بسبب تشكيل هيئة التحكيم أو إذا كان الإجراء المتبع في التحكيم مخالفاً لاتفاق الطرفين ما لم يكن الإجراء الواجب اتباعه مخالفاً للنظام. ويتضح أن موقف القانون النموذجي يختلف عن موقف القانون المصري والنظام السعودي إذ قرر القانون النموذجي إعادة الحكم إلى هيئة التحكيم نفسها في حال كان بطلان حكم التحكيم بسبب يعود إلى هيئة التحكيم.

ولما كان ذلك كذلك، فإن التفسير السليم وفقاً للطرائق الأصولية في تفسير القوانين وبالأخذ بعين الاعتبار المصادر التاريخية لنظام التحكيم السعودي ينتهي بنا للقول إن المادة (41/3) قد اعتراها عيب من عيوب الصياغة القانونية وهو الخطأ المادي لأن المنظم كان يقصد مراعاة المواد (46) و (47) و (48) من نظام التحكيم السعودي وهي التي تنظم المهام التي من الممكن أن تقوم بها هيئة التحكيم على الرغم من إنتهاء مهمتها وذلك للأسباب الآتية:  

أولاً: إن تطبيق المواد المشار إليها في المادة (41/3) يؤدي إلى إعادة الحكم إلى هيئة التحكيم ذاتها دون نص نظامي صريح أو بإرادة أطراف التحكيم وهذا لم يقصده المنظم السعودي.

ثانياً: لم يساير المنظم السعودي القانون النموذجي في حالة إعادة حكم التحكيم إلى هيئة التحكيم إذا كان سبب البطلان يعود إلى تشكيل هيئة التحكيم أو عدم تطبيق إجراءات التحكيم المتفق عليها. حيث إن المنظم إذا أراد قال، فالقول بإعادة حكم التحكيم إلى هيئة التحكيم يجعلنا في الحقيقة نطبق القانون النموذجي ونهمل نظام التحكيم السعودي.

ثالثاً: إن المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع ليست محكمة درجة ثانية بالنسبة لهيئة التحكيم، فمعلوم أن التحكيم وفقاً لنظام التحكيم السعودي يجري على درجة واحدة ولا يجوز استئناف حكم التحكيم، فحكم التحكيم يصدر قطعياً ولا يجوز الاعتراض عليه بأي طريقة من طرق الاعتراض المنصوص عليها في نظام المرافعات الشرعية. وقد أختار المنظم السعودي دعوى البطلان كبديل لطرق الإعتراض المنصوص عليها في نظام المرافعات الشرعية.

رابعاً: إن القول بإعادة حكم التحكيم إلى هيئة التحكيم يصطدم عملياً أمام حالة اتفاق أطراف النزاع في اتفاق التحكيم على انقضاء اتفاق التحكيم بمجرد صدور حكم المحكمة المختصة ببطلان حكم التحكيم. فلا يمكن بحال من الأحوال إجبار أحد الأطراف على الدخول في إجراءات تحكيم جديدة بغير إرادته.

خامساً: معلوم أن الأصل في نظام التحكيم السعودي هو استمرار اتفاق التحكيم على الرغم من صدور حكم ببطلان حكم التحكيم، وينقضي اتفاق التحكيم في حالتين وهما اتفاق اطراف التحكيم على انقضاء حكم التحكيم بمجرد صدور حكم بطلان حكم التحكيم، والحالة الثانية تتمثل في أن سبب بطلان حكم التحكيم يعود إلى إبطال اتفاق التحكيم، والقول بإستمرار اتفاق التحكيم لا يعني استمرار هيئة التحكيم بأي حال من الأحوال، وإنما يتعين على من أراد اللجوء إلى التحكيم أن يُشعر الطرف الآخر برغبته اللجوء إلى التحكيم لحل النزاع حتى نكون أمام إجراءات تحكيم جديدة.



وتأسيساً على ما سبق، فإن تطبيق المادة سالفة الذكر يؤدي إلى نتائج قانونية غير منطقية الأمر الذي يستوجب تصحيح الخطأ المادي في التطبيق العملي والمسارعة في تعديل الخطأ المادي.