الثلاثاء، نوفمبر 10، 2009

أثر السحر على المسؤولية الجزائية

يعيش جزء كبير من العالم على أطلال الفلاسفة ومعتقداتهم وفكرهم المتعمق، ولا ننكر أنهم أصحاب عقول ولكن أيضا لا ننكر أنهم قد يخطئون في مواضع ويصيبون في مواضع أخرى بما أنهم بشر وكلامهم قابل للتمحيص والتدقيق والمناقشة، والعدالة محور وجزء من أفكار الفلاسفة وإن كانوا ليس أول من فكر بها لأن العدالة لا تختص بعقل معين إنما ترتبط بضمير وشعور داخلي لدى الإنسان ولا نعلم أن الفلاسفة هم أول شعوب هذه الأرض حتى يصبحوا أول من طرق باب العدل، فالعدل غير مختص بزمان ولا مكان ولا يسرف من يبحث في موضوعاته لأنه الثابت بمفهومه ومتغير بأشكاله بحسب الزمان والمكان.

والمسؤولية الجزائية جزء من تحقيق العدالة على المجتمع وهي صورة ومرآة لثقافة من قيدها بقيود من شأنها تخفف هذه المسؤولية أو تمنعها، وهي بمفهومها تطورت وأصبحت تتأثر بأقل القليل بعد ما كانت جامدة لا يهزها شيء فعندما كانت تطال الإنسان والحيوان اقتصر تطبيقها على الإنسان، وعندما كانت تطال العاقل والمجنون أصبح المجنون غير مسؤول جزائيا، وأصبحت تتأثر ببعض الأمراض العقلية والنفسية التي من شأنها أن تخفف المسؤولية الجزائية، والسحر من العلوم التي كانت تستخدم ومازالت بأنواعها فمنها السحر ومنها ما سمي سحرا لدخوله في عناصر التعريف اللغوي كالنميمة مثلا، أما أثر السحر فقد يكون واضح للعيان ونلتمس ماديات السحر على الشخص المقرب إلينا ونلاحظ التغيرات في سلوكه وتفكيره إلى أن يتركب جريمة، فما حكم هذا الشخص المسحور إن ثبت أنه مسحور فعلا فهل تقوم أركان المسؤولية في مواجهته أم لا؟

تدق الأمور في مفهوم السحر وأثره وما نواجهه من صعوبات في فهم السحر صعوبات منطقية طالما أنه مرتبط بعالم آخر في الغالب وهو الجن فنحن لا نعلم عن هذا العالم إلا القليل والنتيجة المنطقية أنه في ظل شح المعطيات والمعلومات سوف نلجأ لفرض بعض الفرضيات، وقد أصادف أشخاصا لا يؤمنون بالجن وعلى أثر ذلك لا يعتبرون أن للسحر أثر على المسؤولية الجزائية ولكن سوف أخاطبهم بمنطق الماديات إن أرادوا، أما نحن لا نشكك في وجود الجن والسحر بنص القرآن الكريم والحديث الشريف.

ومن خلال إطلاعي على النصوص القانونية في القانون الأردني لم أجد نصا يجرم هذه الأفعال حتى نبهني أستاذي الأستاذ الدكتور كامل السعيد على أن المادة 471 من قانون العقوبات الأردني تجرم هذه الأفعال، فأنا تعجبت ولم يخطر على بالي أن افتح آخر صفحات هذا القانون لأنها متعلقة بالمخالفات، ولم أتوقع أن المشرع الأردني أراد أن يحدد مكان هذا الفعل ضمن المخالفات، خصوصا أنه قيدها بقصد تعاطي الربح! أما العمل المجاني فهو مباح في ظل هذا النص الذي أضاف القصد الخاص على أركان الجريمة.

ولكن ما يسعفني أنه بمجرد التجريم قد تخطيت جزء كبير في إثبات وجود السحر أو تأثيره على الأشخاص، فالمشرع الأردني بمجرد النص على مناجاة الأرواح أو التنويم المغنطيسي أو التنجيم أو قراءة الكف أو قراءة ورق اللعب وفتح المجال بعبارة " وكل ما له علاقة بعلم الغيب..."فهو يعلم أن من شأن هذه الأفعال أن تؤثر على المتلقي لها أقلها كما سنرى بأن يكون هذا خطر وهمي بشروط معينة وليست على إطلاقها، فالمشرع لا يجرم المستحيل ولكنه يجرم الممكن وبمجرد ذكر الفعل دل على إمكان وجوده وحدوثه بصرف النظر عن حقيقته أو تأثيره لأنها مرحلة لاحقة على إمكانية وجود الفعل، ربما كان يعتقد – المشرع – أن مناجاة الأرواح مجرد وسيلة للاحتيال ولكن هذا لا يهم، لأن الأدلة تثبت على أن بعض الأفعال تستند على علوم ولها أثر، وإذا كنا نتماشى مع منطق الظمأ يدل على وجود الماء، فإن أي فعل له أثر ولا يمكن أن أرى الأثر وأنكر الفعل إلا أننا نقرب السحر كأقرب سبب لهذا الأثر في اعتقادنا، وإذا اتفقنا أن للسحر أثر على الإنسان فلابد أن يكون له أثر على سلوكه وهذا السلوك قد يكون محل تجريم في القانون الجزائي لذلك كان علينا أن نبحث في السحر وأثره على المسؤولية الجزائية.

يتبع...

هناك 5 تعليقات:

  1. سرد شيق، يلامس القارئ ببساطته، بحق هذا الموضوع يثير الفضول لدى القارئ ويجعل منا متشوقين للمتبقي، مع أن دما غي يحمل الكثير من الأسئلة ولكن سأتريث حالما تنتهي أيها الجميل حمد
    مودتي لك حروفك البهية

    ردحذف
  2. حياك الله اخي يعقوب .. وانا متشوق لما يحمله دماغك لأنه يثري الموضوع ان شاء الله..

    مودتي لقلمك

    ردحذف
  3. كنت قد شاهدت في الجزيرة الوثائقية اليوم ان مدينة نيوتورلينز بعدما ضربها اعصار كاترينا انخفضت نسبة الجريمة الى تقريبا الصفر و كان التعليق ان الطبيعة حققت مالم يستطع تحقيقه النظام القضائي و الأمني.

    كل هذه دلائل ان الإنسان لا يمكن ان يكون مشرعا لأنه ليس بمناى عن التاثيرات الخارجية ايا كانت. فمهما حاول ان يكون موضوعيا او حياديا فلن يستطيع. و هب جدلا انه تمكن من الحيادية و الموضوعية، هل يضمن ان ما يشرعه اليوم صالح للتطبيق على الأجيال القادمة بعد مئات السنين ؟!

    منطقيا ... لا يمكن ان ياتي التشريع سوى من خالق الإنسان

    حياك الله حمد ... و من طول الغيبات

    دمت بخير

    ردحذف
  4. حياك الله اخي ،، وهذا ماوددت أن اثبته، وعلى الأقل في مجتمعنا فالقانون يخاطب مجتمع ،، وخصوصا أننا مجتمع إسلامي ودولة إسلامية والمقصود كل الدول العربية

    اشكر مرورك

    ردحذف
  5. اعجبني طرحك استاذي

    ردحذف