الأحد، مايو 17، 2009

لعان فاطمة (البصمة الوراثية)



يتخلل القضاء السعودي ملف ( قضية فاطمة) ، وفي ظل شح المعلومات الدقيقة يبدو من ظاهر الشارع السعودي الإعلامي أن القضاء لم يعتمد البصمة الوراثية كدليل قائم بذاته كالاعتراف مثلا أو شهادة الشهود، وعلى أثر ذلك جاءت المطالبات من المنظمات أو الجمعيات بأن تقحم البصمة الوراثية كدليل إثبات.
القضاء السعودي يعتبر البصمة الوراثية قرينة بسيطة ( أي يمكن إثبات عكسها ) وجاء ذلك بمبررات شرعية وأولها تقديم اللعان على البصمة الوراثية، واتخذ ذلك الموقف بعد اجتهاد ورث خلاف، بعد ما كان الاختلاف حول إثبات النسب بقول القائف أو القرعة في ذلك الزمان، جاء الخلاف حول البصمة الوراثية، وقد أعتمدها القضاء السعودي كقرينة ولا ترتقي إلى أن تكون دليلا يمكن أن يبنى عليه الحكم، وذلك يعود لتقديم اللعان ولو ثبتت البصمة الوراثية عكس ذلك، فهذا الأمر متروك لقاضي الموضوع.

ويؤكد بعضهم أن الأخذ بالبصمة الوراثية لما فيه مصلحة للعامة، وتركها لما فيه مفسدة، وهو محق في ذلك ، فليس للزوج أن يطلب البصمة الوراثية للتأكد من صحة النسب لمجرد الشك، لان اليقين لا يزول بالشك، وما في ذلك إلا فتح لباب الوسوسة للعامة، وكان موقف فقهاء الشريعة بجعل فراش الزوجية قرينة ودليل على نسب المولود للزوج، ونفيه باللعان ولا يقدم على اللعان أي دليل آخر.

أما موقف الأردن فإن البصمة الوراثية لها مساحة في قانون الإثبات الأردني في نطاق الإطار الجنائي، ولا يمتد ذلك إلى المحاكم الشرعية، وبذلك يكون القانون الأردني قد أخذ بالبصمة الوراثية كدليل قائم في الإطار الجنائي، وغير ذلك لا ترتقي لأن تكون دليل ، طالما أن هذه المحاكم تطبق القواعد الشرعية في ذلك ومن أهمها اللعان في قضايا النسب.

وجاء الموقف السوري مشابه للأردن حيث يؤكد الدكتور محمد حسان عوض أستاذ الشريعة في جامعة دمشق بان حظ البصمة الوراثية في دعوى النسب يقل طالما هناك سبيل إلى اللعان، ويمكن أخذ البصمة الوراثية في غير ذلك مثل إثبات هوية المفقود حتى لا ينتحل شخصية آخر، ومعرفة المتهم، لذلك هي لا تقدم على الإقرار والشهادة.

وفي ذلك يقول الدكتور يوسف القرضاوي -رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين- : إنّ "علماء الفقه الإسلامي اتفقوا على إثبات النسب للأم بالميلاد، أما الأب فلا بد أن يتم ذلك عن طريق الوسائل الشرعية، وليس بغيرها"، وأنّ ماء الزنا هدر، واعتبر إثبات ولد الزنا من خلال الاستعانة بتحليل البصمة الوراثية "مردوداً عليه بأنّ الزنا في حد ذاته فعل محرم". ويوضح الشيخ القرضاوي "أنه في حال رفض الزوج الخضوع لتحليل البصمة الوراثية؛ فيُعَدّ هذا دليلاً ضده وليس له، ويكون من حق القاضي أن يفعله رغمًا عن الزوج".

بعد سرد بعض مواقف الدول العربية وجدت أن المنظمات تؤيد الأخذ بالبصمة الوراثية ومعظم المحاكم والفقهاء يذهبون عكس ذلك، والمبرر لدى الجمعيات والمنظمات هو أن البصمة الوراثية دليل قاطع ونسبة الخطأ فيه ضئيلة جدا، أما موقف المحاكم التي اعتمدت موقف الشريعة بررت ذلك بقولها أن الأنساب من القضايا المهمة في المجتمع، ولا يمكن اعتماد أدلة لم تقرها الشريعة، لذلك تمت مراعاة الأدلة الشرعية ونظرتها لواقع الأمور ومن ضمنها اللعان.

والملاحظة أن من قبل بالقيافة كدليل أخذ بالبصمة الوراثية من باب أولى، وأما من ذهب بعدم قبول القيافة كدليل حاول إبعاد البصمة الوراثية كدليل وإبقاؤها كقرينة ممكن أن يؤخذ بها عندما تجتمع مع عدة قرائن أخرى.

وفي رأيي أن الأمور لا تقاس بالمسطرة في كل قضية، ونظام الإثبات في دول العالم ينقسم إلى قسمين ، منها المقيد ومنها المطلق، ومعظم القوانين العربية أخذت بالنظام المزدوج حيث خصصت بعض القضايا بأدلة معينة لا يمكن إثباتها بغير هذه الأدلة، وما هذا التخصيص إلا لأهمية هذه الجريمة في المجتمع، مثال على ذلك جريمة الزنا : جعل الإسلام إثبات هذه الجريمة بالنظام المقيد أي شهادة أربعة شهود أو الإقرار، وكذلك ذهبت معظم القوانين حيث لا تقبل في هذه الجريمة إلا الأدلة المنصوص عليها في القانون لهذه الجريمة، ومنها الاعتراف.

أما قياس الجمعيات والمنظمات إلى الدول الأخرى والدعوة إلى تقليدهم بكل ألف وباء فهذا منطق معيب، حيث لكل مجتمع خصوصياته، فما يطبق في أفريقيا ليس من العدل أن يطبق في شرق آسيا، وما هذا إلا اعتبار العادات والتقاليد ومنهج المجتمع، خصوصا في نطاق الأسرة. لذلك وبالرغم من أن البصمة الوراثية تحمل كل الصدق في طياتها إلا أن لا يمكن أن تعتمد كدليل، أقلها الستر على من زنا سواء الزوج أو الزوجة، فيكفي عدم نسب هذا الولد لأحدهم وهي بحد ذاتها عقاب كافي.
والمسألة لها ضوابط منها شرعية ومنها منطقية من حيث مدة الحمل، وإمكانية الوطء فكل هذه الاعتبارات تدخل في قناعة القاضي لتحديد الحكم المناسب.

وفي هذا المقام لا يكون موقف القضاء السعودي معيب بقدر ما أنه ناقص، حيث يتطلب تقنين الأنظمة بشأن الأسرة من حيث الحقوق والواجبات وكذلك مسائل النسب وإثباتها. وتحديد نطاق البصمة الوراثية سواء في الشق الجنائي أو المدني أو في الأحوال الشخصية، فإذا كان النظام السعودي يأخذ بالبصمة الوراثية نتمنى تحديد ذلك ضمن نظام معين، وهل هو ملزم لقاضي الموضوع أم مسألة تقديرية له يحددها وفقا لمعطيات القضية، وما مدى مراقبة المحكمة العليا.
لذلك الحقوق موجوده ولكنها تحتاج إلى تفعيل وتقنين، وأرجو من بعض الجمعيات تفهم ذلك، وألا يخلقوا لنا حقوق جديدة مثل حق المرأة بالطيران ومن ثم حق المرأة في النوم ولا أعلم إلى أي مدى سنصل. وتحديد المنطلق أمر هام إن كان شرعي أم ملبرل.

هناك 4 تعليقات:

  1. أن الشريعه الاسلاميه جاءت ملائمه لكل زمان ومكان , وبعض أحكامها قابله للتماشي مع تطورات العلم , فنرى كثير من الدول العربيه أخذت بالبصمه الوراثيه في أثبات النسب كدليل قطعي ونرى بعض الدول أخذت به كقرينه لا تصح الا بوجود دليل أخر يساندها, ولن أري أن البصمه الوراثيه مهمه وتكون درجه دقتها كبيره في معرفه النسب , ولكن الاخذ بالبصمه الوراثيه لا يمنع لان تكون أدلتنا الشرعيه قائمه ومعمول بها بألاضافه الى الادله الشرعيه بحيث لا يمكن الغاء القيافه على حد علمي لانها طريق شرعي لاثبات النسب عند التنازع .
    ليست لدى معرفه كفايه بهذا الموضوع أخي حمد فلا استطيع أن اقول ما لا اعلم ولكن ما اعرف أن كثير من الدول الاسلاميه أخذت بالبصمه الوراثيه لما له من أهميه كبيره في أثبات النسب ولما يأخذو به في الزنا لان الشرع قد حددها بصوره لا يجوز بغيرها الاثبات , أما في موضوع النسب فنقول ومن وجهه نظرنا أنه يجوز لما فيه خير ومصلحه ولا يسبب ضررا .

    ردحذف
  2. اهلا بك صديقي ...

    اوافقك الرأي ،، الهدف من ذلك كله هو التقنين ،، ما أريده هو التقنين لما فيه حفظ للحقوق، وسهولة للباحث، وضمان تطبيق العدالة.

    ردحذف
  3. حسين:



    الاخ حمد هذا الموضوع من المواضيع الشائكه في القضاء وانا بأعتقادي ان اذا طرح امام اكثر من قاضي سوف تكون الاراء فيها بعض الاختلاف


    وانا أوفقك الرأي في ماقلت :

    لذلك الحقوق موجوده ولكنها تحتاج إلى تفعيل وتقنين، وأرجو من بعض الجمعيات تفهم ذلك، وألا يخلقوا لنا حقوق جديدة مثل حق المرأة بالطيران ومن ثم حق المرأة في النوم ولا أعلم إلى أي مدى سنصل. وتحديد المنطلق أمر هام إن كان شرعي أم ملبرل.



    لا تخاف ياحمد المنضمات سوف يخلقوا لنا الكثير


    هههههههه


    اشكرك على الطرح

    وتقبل مروري

    ردحذف
  4. أهلا بك صديقي الصدوق :):)

    للامانة أكره العشوائية والتطبيل على الحروف..

    ردحذف