مآل هيئة
التحكيم بعد صدور حكم التحكيم
وفقاً لنظام التحكيم السعودي
صدر نظام التحكيم السعودي الجديد في العام 1433هـ، ودخل حيز التنفيذ اعتباراً من يوم الأثنين 19
شعبان 1433هـ. ولغاية الآن طبق النظام لمدة تنيف عن أربعة سنوات، وخلال تطبيق
النظام الجديد واجهنا بعض الإشكاليات العملية والتي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بتفسير
بعض مواد هذا النظام، ويقتصر حديثنا في هذا المقال على تفسير الفقرة (3) من المادة
(41) من نظام التحكيم السعودي التي نصت على:"مع مُراعاة أحكام المواد
(التاسعة والأربعين) (والخمسين) (والحاديّة والخمسين) من هذا النظام، تنتهي مهمة
هيئة التَحكيم بانتهاء إجراءات التحكيم".
ويُلاحظ على النص سالف الذكر أن تنتهي مهمة
هيئة التحكيم بإنتهاء إجراءات التحكيم المحددة في الفقرة (1) من المادة (41). وقد
راعى المشرع ما قد يصيب حكم التحكيم من قصور بسبب هيئة التحكيم وقرر إستمرار مهام
هيئة التحكيم. وبالرجوع إلى المواد التي يجب مراعاتها نجد
أن المنظم يشير إلى المواد (49) و (50) و (51). وبإستقراء نصوص المواد المشار
إليها نجد أنها لا تتطرق إلى مهام هيئة التحكيم لا من قريب ولا بعيد وإنما تنظم
هذه المواد أحكام وإجراءات بطلان حكم التحكيم.
والتساؤل المُثار: ما هي المهام التي
من الممكن أن تقوم بها هيئة التحكيم على الرغم من إنتهاء إجراءات التحكيم؟
وبالإمكان الإجابة على ذلك أنه من
المتصور أن تقوم هيئة التحكيم بمهام إضافية أوجبها نظام التحكيم السعودي حتى وإن
انتهت إجراءات التحكيم، فقد يشوب حكم التحكيم غموض يتطلب تفسيره، أو خطأ مادي يجب
تعديله، أو في حال غفل حكم التحكيم عن طلبات قُدمت خلال إجراءات التحكيم ويتطلب من
هيئة التحكيم إصدار حكم تكميلي لها.
وقد أوجب نظام التحكيم السعودي على
هيئة التحكيم القيام بهذه المهام الإضافية على الرغم من إنتهاء إجراءت التحكيم
وإنتهاء مهمة هيئة التحكيم. ونورد المواد النظامية التي ترسخ لهذا المفهوم وتعززه على
النحو الآتي:
المادّة السادسّة والأربعون:
1- يجوز لكل واحدٍ من طرفيّ التَحكيم أن يُطلب
من هيئة التَحكيم خلال الثلاثين يومًا التاليّة لتسلُّمه حُكم التَحكيم تفسير ما
وقع في مَنطوقه من غموض. ويجب على طالب التفسير إبلاغ الطرف الآخر على عُنوانه
المُوضّح في حُكم التَحكيم بهذا الطلب قبل تقديمه لهيئة التحكيم.
2- يصدر التفسير كتابةً خلال الثلاثين يومًا
التاليّة لتاريخ تقديم طلب التفسير لهيئة التحكيم.
3- يُعَدّ الحُكم الصادر بالتفسير مُتمماً لحُكم التَحكيم الذي
يُفسّره وتَسري عليه أحكامه.
المادّة السابعة والأربعون:
1- تتولى هيئة التَحكيم تصحيح ما يقع في حُكمها
من أخطاءٍ ماديّةٍ بَحتةٍ كتابيّةٍ أو حسابيّةٍ، وذلك بقرار تُصدره من تِلقَاء
نَفسها، أو بُناءً على طلب أحد الخصوم، وتجري هيئة التَحكيم التصحيح من غير
مُرافَعةٍ خلال خمسة عشر يوماً التاليّة لتاريخ صدور الحُكم، أو لإيداع طلب
التصحيح بحسب الأحوال.
2- يصدر قرار التصحيح كتابةً من هيئة التحكيم، ويُبلّغ إلى طرفيّ
التَحكيم خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ صدوره، وإذا تجاوزت هيئة التَحكيم سلطتها
في التصحيح جاز التمسّك ببُطلان هذا القرار بدعوى بُطلان تَسري عليها أحكام
المادّتين (الخمسين)، (والحاديّة والخمسين) من هذا النظام.
المادّة الثامنّة والأربعون:
1- يجوز لكل من طرفيّ التَحكيم ولو بعد
انتهاء ميعاد التحكيم، أن يطلب من هيئة التَحكيم خلال الثلاثين يوماً التاليّة
لتسلّمه حُكم التحكيم، إصدار حُكم تحكيم إضافيّ في طلبات قُدِّمت خلال الإجراءات
وأغفَلَها حُكم التحكيم. ويجب إبلاغ الطرف الآخر على عُنوانه الموضّح في حُكم
التَحكيم بهذا الطلب قبل تقديمه لهيئة التحكيم.
2- تصدر هيئة التَحكيم حُكمَها خلال ستين
يومًا من تاريخ تقديم الطلب، ويجوز لها مدّ هذا الميعاد ثلاثين يوماً أخرى إذا رأت
ضرورة لذلك.
وحيث إن نظام التحكيم السعودي كغيره
من قوانين الدول العربية ودول العالم الأخرى قد تأثر بالقانون النموذجي للتحكيم
التجاري الدولي الذي أصدرته لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي عام 1985م
مع تعديلاته المعتمدة في عام 2006م إلا أن المنظم السعودي أخذ كذلك العديد من
أحكامه من قانون التحكيم المصري لعام 1994م، خاصة تلك الأحكام التي انفرد بها أو
خالف فيها قانون التحكيم المصري القانون النموذجي الأمر الذي معه يمكن القول إن
قانون التحكيم المصري يشكل مع القانون النموذجي مصدراً تاريخياً لنظام التحكيم
السعودي.
ونلاحظ أن المنظم السعودي قد نسخ نص المادة
(41/3) من نظام التحكيم السعودي من المادة (48/2) من قانون التحكيم المصري التي
تنص على: "مع مراعاة أحكام المواد 49 و 50 و 51 من هذا القانون تنتهي
مهمة التحكيم بإنتهاء إجراءات التحكيم". وبالرجوع إلى المواد المشار
إليها في قانون التحكيم المصري نجد أنها تنظم المهام التي من الممكن أن تقوم بها
هيئة التحكيم على الرغم من إنتهاء مهمتها وهي تفسير حكم التحكيم، وتصحيح حكم
التحكيم من الأخطاء المادية البحتة، وأخيرا إصدار حكم تحكيم إضافي في طلبات قدمت
خلال الإجراءات وأغفلها حكم التحكيم.
وبإستقراء نصوص القانون النموذجي نجد أن
الفقرة (3) من المادة (32) تنص على: "تنتهي ولاية هيئة التحكيم
بانتهاء إجراءات هيئة التحكيم مع مراعاة أحكام المادة (33) والفقرة (4) من المادة
(34)". وتنظم المادة (33) من القانون
النموذجي أحكام المهام التي من الممكن أن تقوم بها هيئة التحكيم على الرغم من
إنتهاء مهمتها وهي تفسير حكم التحكيم، وتصحيح حكم التحكيم من الأخطاء المادية
البحتة، وأخيراً إصدار حكم تحكيم إضافي في طلبات قدمت خلال الإجراءات وأغفلها حكم
التحكيم فهي مطابقة لنظامنا ولقانون التحكيم المصري هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فقد
أضاف القانون النموذجي حالة أخرى في الفقرة (4) من المادة (34) وهي حالة بطلان حكم
التحكيم بسبب تشكيل هيئة التحكيم أو إذا كان الإجراء المتبع في التحكيم مخالفاً
لاتفاق الطرفين ما لم يكن الإجراء الواجب اتباعه مخالفاً للنظام. ويتضح أن موقف القانون النموذجي يختلف عن
موقف القانون المصري والنظام السعودي إذ قرر القانون النموذجي إعادة الحكم إلى
هيئة التحكيم نفسها في حال كان بطلان حكم التحكيم بسبب يعود إلى هيئة التحكيم.
ولما كان ذلك كذلك، فإن التفسير
السليم وفقاً للطرائق الأصولية في تفسير القوانين وبالأخذ بعين الاعتبار المصادر
التاريخية لنظام التحكيم السعودي ينتهي بنا للقول إن المادة (41/3) قد اعتراها عيب
من عيوب الصياغة القانونية وهو الخطأ المادي لأن المنظم كان يقصد مراعاة المواد
(46) و (47) و (48) من نظام التحكيم السعودي وهي التي تنظم المهام التي من الممكن
أن تقوم بها هيئة التحكيم على الرغم من إنتهاء مهمتها وذلك للأسباب الآتية:
أولاً: إن تطبيق المواد المشار إليها
في المادة (41/3) يؤدي إلى إعادة الحكم إلى هيئة التحكيم ذاتها دون نص نظامي صريح
أو بإرادة أطراف التحكيم وهذا لم يقصده المنظم السعودي.
ثانياً: لم يساير المنظم السعودي
القانون النموذجي في حالة إعادة حكم التحكيم إلى هيئة التحكيم إذا كان سبب البطلان
يعود إلى تشكيل هيئة التحكيم أو عدم تطبيق إجراءات التحكيم المتفق عليها. حيث إن
المنظم إذا أراد قال، فالقول بإعادة حكم التحكيم إلى هيئة التحكيم يجعلنا في
الحقيقة نطبق القانون النموذجي ونهمل نظام التحكيم السعودي.
ثالثاً: إن المحكمة المختصة أصلاً
بنظر النزاع ليست محكمة درجة ثانية بالنسبة لهيئة التحكيم، فمعلوم أن التحكيم
وفقاً لنظام التحكيم السعودي يجري على درجة واحدة ولا يجوز استئناف حكم التحكيم،
فحكم التحكيم يصدر قطعياً ولا يجوز الاعتراض عليه بأي طريقة من طرق الاعتراض
المنصوص عليها في نظام المرافعات الشرعية. وقد أختار المنظم السعودي دعوى البطلان
كبديل لطرق الإعتراض المنصوص عليها في نظام المرافعات الشرعية.
رابعاً: إن القول بإعادة حكم التحكيم
إلى هيئة التحكيم يصطدم عملياً أمام حالة اتفاق أطراف النزاع في اتفاق التحكيم على
انقضاء اتفاق التحكيم بمجرد صدور حكم المحكمة المختصة ببطلان حكم التحكيم. فلا
يمكن بحال من الأحوال إجبار أحد الأطراف على الدخول في إجراءات تحكيم جديدة بغير
إرادته.
خامساً: معلوم أن الأصل في نظام
التحكيم السعودي هو استمرار اتفاق التحكيم على الرغم من صدور حكم ببطلان حكم
التحكيم، وينقضي اتفاق التحكيم في حالتين وهما اتفاق اطراف التحكيم على انقضاء حكم
التحكيم بمجرد صدور حكم بطلان حكم التحكيم، والحالة الثانية تتمثل في أن سبب بطلان
حكم التحكيم يعود إلى إبطال اتفاق التحكيم، والقول بإستمرار اتفاق التحكيم لا يعني
استمرار هيئة التحكيم بأي حال من الأحوال، وإنما يتعين على من أراد اللجوء إلى
التحكيم أن يُشعر الطرف الآخر برغبته اللجوء إلى التحكيم لحل النزاع حتى نكون أمام
إجراءات تحكيم جديدة.
وتأسيساً على ما سبق، فإن تطبيق
المادة سالفة الذكر يؤدي إلى نتائج قانونية غير منطقية الأمر الذي يستوجب تصحيح
الخطأ المادي في التطبيق العملي والمسارعة في تعديل الخطأ المادي.